الأربعاء، 20 أكتوبر 2021

عقدة الخواجة لـ مجدولين آمند

 





عقدة الخواجة

احيانا تصيبنا بعض الخطوب ،يخيل لنا اننا نختص بمكابدتها والتغلب عليها ،لكن الواقع ان لكل شخص تحديات مشابهة لتحدياتنا ،بين طيات قصتنا القصيرة حياة ربة المنزل البسيطة آمنة وخوضها بين حلمها وواجباتها فهل يوفق المرء في ركوب الفرسين كما يقال ام انه سؤال الفاشلين فقط ،وكيف ستعامل مع واجباتها؟ تفاصيل شيقة بين السطور مع تمنياتي لكم قراءة ممتعة .

 

وقَفتْ مطولا امام لوحة، دبيب الخطى، اصوات الضحكات، كل الكلام والوشوشاث أُخرست حتى البشر وحركاتهم حولها أُغشي وجودهم بهالة ضبابية في لحظة خلوة شرعية مع احب الأشياء الى قلبها، لوحة مرسومة باقلام الرصاص، فجأةً ربتت يد كبيرة على كتفها طفِقت على وقع صوت جهوري خلفها"الجميلات ذواقات للجمال" التفتت تحت الصدمة لِتَراه...!

_قبل فترة -

تدور احداث قصتنا في حي من مدينة لندن، آمنة إمرأة مسلمة جزائرية في العقد الثالث، تعيش رفقة زوجها واطفالها الثلاثة سندس، يوسف والرضيع أيهم.

رن الهاتف الأرضي فتسابق يوسف وسندس نحوه وهما يركلان كل ما بطريقهم وظفرت سندس بالسماعة .

_امي ! عمتي سارة تتصل بك .

_لحظة ! (بصوت عال)

مددت الصغير أيهم بعد الرضاعة في عجالة قطعت نصف المسافة نحو الهاتف لولا صوت استفراغ أيهم لأنها لم تضعه في وضعية التجشأ، عادت مسرعة اليه.

_اخبريها انني سأعاود الإتصال بها.

همت بتنظيفه وغيرت منامته واخذت شرشف نومه للغسيل، خضها صوت صراخ عال من الفناء .

_امييي!!! (بكاء عالي من يوسف)

ركضت نحوه وعينيها تتفقده و تصول حوله في بحث عن سبب صرخته، أشار بإصبعه الصغير لأعلى الشجرة طار بلوني المفضل يا مامي فُتق من غصن الشجرة .

_لا عليك يا حبيبي نشتري غيره (وهي تضمه).

سارت والجة الى البيت مارة بالزجاج العاكس تأملت نفسها للحظة، شعرها المنكوش، ملابسها الغير متناسقة، بقايا الاستفراغ على كمها الأيمن اغمضت عينيها وزفرت بقوة وتوجهت الى الهاتف  .

_الو ! كيف حالك حبيبتى ، اسفة لم استطع الاجابة عليك .

_لا عليكي، تبادلتا اطراف الحديث عن احوال الأهل والأطفال حتى قالت سارة:"اود طلب مساعدتك في اقتناء مشترياتي والتحضير لخطوبتي، كلمتُ خالد واستأذنته ان تقضيا هذا الاسبوع في ضيافتنا ولم يمانع اذا لم يكن لديكي مانع او انشغال طبعا فلتشرفاننا"،وافقت آمنة .

قدم خالد من العمل ،استقبلته بابتسامتها المعتادة وحملت عنه الحقيبة والمقتنيات وقدمت له الطعام على طبق من الأمان الأسري رفقة اطفالهم ،وتبادلا الحديث حول الاسبوع الذي سيقضيانه عند العائلة الكبيرة ومخططات التسوق رفقة اخته .

بعد ذهابهما لبيت العائلة أمَّنت آمنة على الأولاد عند الجدين اللذان ابهجهما وجودهم وانصرفتا للتسوق، بعد سويعات كانت فيها الجولة مشبعة بجمال لندن وعبقها ،مثقلة بالأغراض واكياس التسوق ،التي شرعت سارة في وضعها داخل السيارة ،لوهلة استهوت آمنة لافتة معرض

 

ضخمة مقام في الصالة المقابلة لهما، جذبها الحنين فاستأذنت  من رفيقتها لحضات ولجت فيها داخل المعرض ، اخذت تصول وتجول بين لوحاته وقَفتْ مطولا امام لوحة مرسومة باقلام الرصاص ، دبيب الخطى، اصوات الضحكات، كل الكلام والوشوشاث أُخرست حتى البشر وحركاتهم حولها أُغشي وجودها بهالة ضبابية في لحظة خلوة شرعية مع احب الأشياء الى قلبها، لوحة مرسومة باقلام الرصاص، فجأةً ربتت يد كبيرة على كتفها طفِقت على وقع صوت جهوري خلفها"الجميلات ذواقات للجمال" التفتت تحت الصدمة لِتَراه...!  كان رجلا غريبا انتفضت مبتعدة عنه وتهكم وجهها معلنا غضبها، جعل الشاب يتلعثم وانتبه لهندامها الملتزم المميز في المكان .

_اسف ، حقا آسف ! ثم حاول تلطيف الجو وشرع يفتخر بنفسه وهذه اللوحة مذهلة اليس كذلك ؟

_لا ليست كذلك، والأدهى هي تحمل اخطاء مبتدئ عدم الدمج في الاطراف ،التهاون في الخامات المستخدمة حتى درجات القلم موضوعة بشكل عشوائي هي مقبولة لكنها لا تستحق كونها في معرض.

 

احرقت عباراتها دمه فهو لم يتلقى هذا الكم من النقد اللاذع حتى من كبار النقاد واعتادت مسامعة عبارات التملق .

_عفوا منكي هذه من اكثر اللوحات المتقنة التي ارهقت بها لأسابيع.

نظرت للوحة واجابته دون اشاحة عينيها منها.

_استطيع اتمام لوحة ضعف حجمها وأكثر تفصيلا واتقانا منها في أقل من أسبوع، اما هذه فلا تستغرق مني اكثر من الاربع والعشرين ساعة القادمة .

استجمع نفسه وفهم انها تقلل منه فقط !

_ حسنا يا حلوة حتى آخر الأسبوع لو استطعتي الإتيان بأجمل منها ستكون الأساسية في معرضي الأسبوع القادم وستباع بمبلغ لن تحلمي به .

_سيدة من فضلك! (احست بغصة تستفزها لم تدعها ترفض ) جذب بطاقته هذه بطاقتي وتجدينني اخر الأسبوع في ذلك المكتب .

دلفت السيارة وتأسفت على تأخرها

_سارة ،لطفا اود المرور على بيتي احتاج غرضا ، احضرت عدة الرسم خاصتها ونفضت عنها غبارها ورجعتا الى بيت الجدين ،مرت ايام وهي

منهمكة في التحضير للحفل صباحا وتعتني بأطفالها  وتنسحب ليلا لغرفة خالية تخط لوحتها ،غرقت في شغفها كما كانت تفعل في الأيام الخوالي ركبت سماعات البلوتوث ورفعت الصوت الى اعلى حد انعزلت تماما عن العالم وتناغمت مع اللحن لولا غصة المت بقلبها نزعت السماعات وهرولت مسرعة لتلبية نداء البكاء يبدو ان ساعة أيهم البيولوجية دقت اوان جوعه .وضعته بينها وبين خالد بعد ان نام وغطت في نوم عميق معه من فرط الإرهاق .

توال اليوم الثاني والثالث وظهرت خلفهما لوحة ساحرة ، ابداع من اناملها لولا لونها المتدرج بين درجات الرمادي الى الأسود لظهرت حقيقة كانت اشبه بصورة التقطتها عدسة محترف بمؤثر الأبيض والأسود ،استغرقت منها حتى اليوم الخامس لتخط آخر اللمسات، لمعة السائل والعيون اشراقة الضحكة وكل التفاصيل .

انتهت منها كأنما افاقت من حلم غاصت به طويلا، كيف ستتصل بشخص اجنبي عنها ؟! هل تستأذن خالد ! لحظة كيف ستخبره بأن رجلا اجنبيا تغزل بها ثم ناقشها بل وقدم لها عرضا ! تنقلت وهي تحط

رجليها على البلاط البارد نحو صغيرها ووهي تتلاعب ببطاقة الرسام بين السبابة والوسطى .

حسمت امرها اخيرا

_اهلا حبيبي....

دلف من الباب وهو يستشيط غضبا

_كيف تحدثين رجلا غريبا! لقد استأذنتني في الذهاب مع سارة كيف تنفردين عنها وتسيرين على حِلّ شعرك ، ثم اي رسم !! الم نحسم الحديث في هذا الموضوع ومنعتكي عنه ، لا اريد امرأة تُعرض بجانب لوحاتها تحت الأضواء لا اريد امرأة تحمل اسمي ان يشار اليها بالبنان وهي بجانبي وخلفي .

انتظرت افراغه لكل ذلك الغضب واجابته في هدوء .

_ سأرسلها يا خالد، حسمت قراري ستكون لوحتي في المعرض

_آمنة ! ان تجرأتي فعليكي ان تنسي ان لكي زوجا .

شهقت وهي تهاجمه بنضراتها وقد نالت منها العصبية.

_ لقد تركت اهلي ووطني وتحملت حياة الغربة ،امتنعت عن كل مسببات السعادة ،ضيعت مسيرتي المهنية وأفنيت صحتي في رعايتك وأطفالك ، لن اتراجع يا خالد ولو كانت الكلفة انت !

لم تسمع الا دوي ضرب الباب وهو يهرول خارجا مخافة ان ينطق بما لا يحمد عقباه

حملت سماعة الهاتف واتصلت بسارة واخبرتها بتفاصيل القصة  ،طلبت منها تسليم اللوحة عنها حتى لا تغادر البيت دون اذنه ، عاد مساءا ولم ينظر اليها على غير عادته

_حسنا فعلتي ما تريدين ! سأغادر الى منزلنا ريثما نُتمّ لكي اوراق ترحيلك ، لا احتاج امراة تخرج عن طوعي ، ولن يجمعنا سقف واحد بعد الآن وغادر فور انهاء كلامه ،انهارت بعد وقع كلماته القاسية عليها ،هل سيستغني عني بتلك السهولة! هل هنت عليه! أ اتستحق منه هذا الجزاء بعد كل سنين العشرةعلا بكاؤها وعانقها طفليها واجتمع اهل البيت حولها من صوت نحيبها ، شرحت لهم سارة القصة فأقسم حماها على ابنه بأغلظ الأيمان انه سيتبرء منه ان طلقها  لهذا السبب الى يوم القيامة.

حل اليوم الموعود للمعرض بعد ان كسبت آمنة الرهان وكانت لوحتها مثالية وجاء يوم العرض ، شجعها حمواها على الحضور ارتدت عباءة سوداء بسيطة برز جمالها العربي الجزائري من خمارها الأسود ولو انها كانت بدون مساحيق تجميل، وفور وصولهم ارسلت سارة صورة اللوحة عبر رسالة واتساب الى اخيها ،كان كمن صُب عليه ماء مثلج من محتوى اللوحة كانت عبارة عن صورته ضاحكا مستبشرا وهو جالس  تسلق  يوسف اعلى  كتفيه وتجلس سندس على ركبته بينما يحمل بيمناه الرضيع أيهم متكئا على صدره . كان يوسف يرش بمسدس الماء زخات نثرت كليا على اللوحة اضفت عليها ابداعا خرافيا من لمعان قطرات بالماء المرسومة بالقلم ، كانت تلك اللوحة كل عالم آمنة ،دمعت عيناه من جمالها ولو انشقت الأرض وابتلعته خزيا من انانيته تلك اللحظة

يد دافئة حاوطت آمنة وعطر مألوف لفها وهمس بصوت خافت وهو ينحني ليناسب طولها

_ في المرة القادمة التي تودين فيها بيع لوحة حبذا لولا تتاجرين بي وأطفالي .انا آسف !

فكت منه عقدة الخواجة فلم يكن في الواقع يمتلك مشكلة اعلام او شهرة كل مشكلته انه يغار عليها حتى من عملها، يغار من ان يختطف اهتمامها منه ولا يصبح هو اول اولوياتها، لكن هذه التجربة جعلته يؤمن يقينا انها بالرغم من انها عالمه فهي ايضا لها عالمها وهو اهم ما فيه .

توقف صحفي عندهما وطلب منه شرح اللوحة فأجابه لست انا من رسمها ، انها من رسم طفلتي ، وهو يشير اليها ،تعلقت عيناها به وهي تلمع من جمال هدية الإله لها وهي زوجها ، وقالت للصحفي انها تعني عالمي، اشترى منها خالد اللوحة واخبرها ان الأمر قد يستغرق منه فترة كي يتقبل انها قد تبيع شيئا تلمسته اناملها ، بالاضافة الى انه هو المرسوم على لوحتها .

انتهى .

                                                                                 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موقع روايتي

حكمةاليوم

إذا كنْـتَ لا تحبّ القِراءة فأنتَ لَـم تجد الكتَاب المُناسب بعْـد ..' ج. ك. رولينج'




تعليقات

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *